وُلدنا جميعًا بفطرة التاجر الصغير، كنا نجمع الحصى لنبيعه كجواهر ثمينة، ونُقايض أوراق الشجر وكأنها عملة متداولة في أسواق خياليَّة. تلك البداية البسيطة التي شكَّلت عالمنا الأول، حيث نبيع اللاشيء مقابل لاشيء، تجارة طفوليَّة طبعَت أثرًا لا يُمحى في ذاكرتنا.
وسط تلك الذكريات.. اقتحم صديقٌ الحديث بحماسة، معلنًا عن انطلاق النسخة المصريَّة من برنامج (Shark Tank)، أو “حوض القروش” -الذي أُسس على غرار البرنامج الياباني وَكر التنانين (Dragons Den)-، البرنامج الذي حقق شهرة عالميَّة منذ أول بثٍ له عام (2009) في الولايات المتحدة، وأُنتج في أكثر من (46) دولة. لمْ أستطع كبح ضحكةٍ ساخرة حين تخيَّلت الأمر: روَّاد أعمال ناجحين، مستثمرون أثرياء يتسابقون لاقتناص أفضل الفرص الاستثماريَّة.. أين المتعة في ذلك؟ بدا لي وكأنه عرضٌ بعيد كل البعد عن عالمنا الواقعي، مجرد لوحة مثاليَّة مرسومة بألوان الثراء.
بفضول عابر.. شاهدت الحلقة الأولى، ولم يلبث الأمر طويلًا حتى وجدت نفسي متابعًا بشغف، مُدركًا أن (Shark Tank) ليس مجرد برنامج عن المال والاستثمار، بل منصة تمنح الشباب الفرصة وتوجههم للطريق الصحيح. رأيت أفكارًا تنبثق من الحاجة، ومشاريع تتأسس على الشغف، وقصصًا نابضة بالإلهام، حيث يتحول التحدي إلى بداية طريق مليء بالفرص والإنجازات.
تدور فكرة البرنامج حول عرض أبرز مشاريع رواد الأعمال أمام خمسة من كبار المستثمرين، من بينهم: أحمد السويدي، محمد فاروق، محمد منصور، ياسين منصور، عبد الله سلام، أيمن عباس، أحمد طارق وغيرهم، يظهرون في الحلقات بالتتابع. تتناول كل حلقةٍ عرض عدة مشاريع، ويقوم المستثمرون بمناقشة الأفكار المطروحة مع أصحابها، وطرح التساؤلات لتحليل جدواها. وفي النهاية، يتخذون قرارًا بدعم المشروع أو رفضه.
يُمكن لأصحاب المشاريع الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة من مختلف القطاعات التقدُّم للمشاركة في (Shark Tank Egypt)، بشرط امتلاك نموذج عمل واضح، سجل مالي قوي، وإمكانيَّة تحقيق نمو مُستدام. يتِّم التقديم إلكترونيًا عبر نموذج التقديم الرسمي عبر موقع البرنامج، ويجب على المتقدمين تقديم خطة عمل شاملة وعرض تقديمي مقنع يُظهر قدرتهم على تلبية توقعات المستثمرين.
تُقيَّم المشاريع بناءً على عدة عوامل تشمل: الإيرادات الحاليَّة، الأرباح الصافية، قيمة الشركة مقارنةً بالمنافسين في نفس القطاع، ونموذج الأعمال وإمكانيَّة التوسع.
كل حلقة من البرنامج تُمثل مواجهة حماسيَّة تجمع بين عرض دقيق للمشاريع ونقاشات محتدمة، تتخللها لحظاتٌ من: التوتر، الحماس، الانتظار، الصراخ وحتى السخرية أحيانًا. بأسلوبٍ حاد ودقيق.. يطرح المستثمرون تساؤلاتٍ عميقة ويُواجهون الأفكار بقوة، مما يخلق أجواءً مليئة بالحماس والتوتر، تُبقي المشاهدين في حالة من الترقب طوال العرض.
بالرغم أن البرنامج مصري الهوية، إلا أن غالبيَّة المصطلحات المستخدمة بالإنجليزيَّة، خاصةً تلك المتعلقة بالمجالات التجاريَّة والاستثماريَّة، إلا إن تمَّ توضيح هذه المصطلحات بأولى حلقات الموسم الأول.
امتدَّ البرنامج عبر ثلاثة مواسم، وتتراوح مدة كل حلقة بين (45) دقيقة وساعة ونصف. يُعرض البرنامج على قناة (CBC) كل أربعاء في تمام الساعة التاسعة مساءً، بالإضافة إلى توفره على منصتي (Watch It) ويوتيوب.
– التقييم (9/10).
