شاعر النبوة.. المجاهد بالكلمة

للشعر ساحة حربٍ لا تقل شراسته عن ميادين القتال.. به المنتصر والمهزوم، فالعرب كانت الكلمات لديهم أحدَّ من السيف، تُميت فريقًا من المعركة حتى قبل أن تستل السيوف؛ هنا حيث برز “حسان” في ميادين البيان للدفاع عن الحق والإسلام بقلمه، كما المجاهد بسيفه.

“مهد الكلمات الأولى”

حسان بن ثابت رجل قتال الشعر الأول، ينتمي إلى أشراف قبيلة الخزرج، له صلة قرابة بالنبي فهو من “بني النجار” أخوال عبد المطلب جد النبي، عاش حسان بفضل قومه حياة شرفٍ ووجاهة، واختار دائمًا الشعر كساحة قتال يبرع بها. عندما دخل النبي إلى المدينة أسلم حسان مع الأنصار، وآخى النبي بينه وبين عثمان بن عفان؛ ولكن لم يشهد حسان أي غزوات مع النبي كمقاتل، لكنه قرر منح قلمه وشعره للإسلام، ووهب موهبته للدفاع عن النبي وهجاء أعداء الإسلام، فشجعه الرسول قائلًا: “اللهم أيده بروح القدس”. أضفى الإسلام اللين والسماحة على شعره، إضافةً لقوة التعبيرات والتشبيهات التي اكتسبها من بلاغة القرآن؛ فأصبح شاعرًا مخضرمًا عاصر القبليَّة بقوة شعرها، والإسلام بقوة بيانه.

“كلمات تُقاتل”

على الرغم من شدة صلة القرابة بين العرب قديمًا، إلا أن كان حسان إذا هجا أحدهم جعله غريبًا وسط قبيلته، وألبسه رداء العار وحده حتى يتخفى الرجل بين قومه! وقد عرف دقة نسب النبي عن طريق أبي بكر الصديق، فهجا المشركين دون أن يمس النبي بسوء، فقد قال للنبي: “لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ”، كما دافع عن النبي أمام هجاء الكفار؛ فردَّ على هجاء أبي سفيان بن الحارث للنبي قائلًا:

“هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ.. وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ

أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ.. فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ”، وراح يُعزَّز من عزيمة المسلمين وهمَّتهم في القتال بشعره، ففي غزوة بدر قال موضحًا عدد قتلى الكفار ومصارعهم: “فكيف رأيتمُ يومَ بدر ضرَبنا.. وإقدامَنَا والخيلُ لم تتَبدّدِ، بكل حُسامٍ أخلصْتُه قُيُونُه بأيدي رجال مجْدُهُم غير قُعْدُدِ”،

“شاعر النبي في النبوة”

لحسان بمدح النبي العديد من الأشعار فقد لُقب “شاعر الرسول”، ومن أشهر مديحه قوله: “وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني.. وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ

خُلِقتَ مُبَرَّأً مِن كُلِّ عَيبٍ.. كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ”. فكان يرى بالنبي القائد القوي والمُعلم الحكيم، ويُدرك سمو رسالة الإسلام؛ لذا لم يكن يترك من النبي والإسلام شيئًا إلا طالته كلماته، كأنه موثقٌ لروح الإسلام حينذاك.

“الشعر يُرثي شاعره”

أهدى له النبي جارية قبطيَّة -سيرين بنت شمعون-، وهي أخت السيدة مارية القبطيَّة زوجة النبي؛ فتزوجها حسان وقد حَسُن إسلامها وأنجب منها ولده عبد الرحمن.

عاش حسان بعد وفاة النبي وقد رثاه بقوله: “ما بالُ عَينِك لا تَنامُ كَأَنَّما.. كُحِلَت مَآقيها بِكُحلِ الأَرمَدِ

جَزَعاً عَلى المَهدِيِّ أَصبَحَ ثاوِياً.. يا خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعُدِ”.

أُصيب قبل وفاته بالعمى، انقسم المؤرخون على وفاته منهم من قال أنه تُوفى بعهد علي بن أبي طالب، ويرى آخرون أنه تُوفى بعهد معاوية، عن عمر يناهز مئة وعشرين عامًا، وقيل أنه كتب أكثر من ألفي قصيدة فجُمع له ديوانٌ ضخم رواه ابن حبيب وغيره، أجمل ما قيل فيه مدحه للرسول -ﷺ-.

Previous Article

سأخلد حبي لرسولي

Next Article

من هجاء الإسلام إلى بردة النبوة

Write a Comment

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨