ثلاثة شطور من اللغة: أصالة اللفظ ومرونته

“تفردٌ لغوي”

تفرَّدت اللغة العربيَّة بكونها من بين اللغات التي حافظت على بنيانها المُعجمي والنحوي، وذلك لمدة تفوق (14) قرنًا!

يعود ذلك إلى كونها لغة القرآن.. فقد حُفِظ اللسان العربي على مرِّ العصور باستقرار القرآن وحفظه دون تغيير أو تحريف. كما تتميز اللغة العربيَّة بنظامٍ إعرابي وصرفي شبه هندسي؛ لاحتفاظه بعلامات الإعراب دونًا عن اللغات السامية الأخرى.

“بين المرونة والثراء”

من أبرز سمات العربيَّة هو غناها بالمفردات اللغويَّة، حيث يُقدَّر قاموسها بما يزيد عن (12) مليون كلمة! هذه الوفرة مكَّنت المُتحدث من إيجاد مفرداتٍ دقيقة لكل حالة، بل عشرات الكلمات لذات الوصف.. “الأسد” له ما يزيد عن (300) اسم وصفة، بل عدَّ البعض له ألف اسم! إلى جانب قدرة العربيَّة على منح الكلمة الواحدة معاني مختلفة باختلاف السياق، وهذا التنوع يمنح اللغة قدرة التعبير عن معانٍ معقدة بمرونة ودون إسهاب. كلمة مثل “العَيْن” قد تعني عضو الإبصار أو ينبوع الماء أو حتى الجاسوس! وبتغييرٍ بسيط مثل “التشكيل” يتغير معنى الكلمة مع احتفاظها بذات الحروف.. “عَيَّن” أي اختار وخصص، أو حصر وحدد.

“أثر اللغة العربيَّة”

لم تكن العربيَّة معزولة عن العالم! فقد أثَّرت بشكلٍ كبير في العديد من اللغات بانتقال مصطلحاتها المميزة إلى معاجمهم مثل: الفارسيَّة، التركيَّة، الإسبانيَّة وحتى بعض اللغات الأوروبيَّة. كما أن بعض الكلمات العربيَّة دخلت القواميس العالميَّة مثل: الجبر (Algebra)، السكر (Sugar)، الكيمياء (Chemistry) وغيرها؛ وذلك لأن اللغة العربيَّة -وقتها- كانت لغة العلم والمعرفة، حيث أُنتجت آلاف الكتب العلمية بالعربيَّة في مختلف المجالات: كالطب والهندسة والفلك والرياضيات، ليُبين ذلك عمق تأثير العربيَّة في شتى اللغات، الحضارات والميادين.

“إبداعٌ عبر الحروف”

بين الفنون البصريَّة والمسموعة.. استطاعت العربيَّة الاستيلاء على عرش كليهما عن طريق: “الخط العربي” و”الشعر والإلقاء”، إذ أتاحت العربيَّة بمرونتها وغناها التعبيري كتابة أبيات موجزة لكنها تفيض بالمشاعر! عبر أساليب متنوعة مثل: التشبيه، الاستعارة، الكناية وغيرها، كما تحتوي على “بحور” تُنظم عليها أبيات الشعر لتخرج لنا أفكارهم ببلاغة متفردة. بينما الخط كان ملجأ العربيَّة في الفن البصري لكونه تجريديًا، تسلَّح الخطاط بأدواته -الأحرف- المرنة والانسيابيَّة لقابليتها على المد والاتصال، وبدأ في تشكيلها كيفما يشاء مما مكَّن من ابتكار أنواعٍ عديدة من الخطوط، كلٌ منها يُضفي حياةً على كل ما يُزينه من: جدران وأثاث وغيرها.

Previous Article

إبداع (13).. لتنمية المواهب الشَّابة

Next Article

ثلاثة شطور من اللغة: الشعر العربي.. تفرد ومعنى

Write a Comment

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨