عوالمنا الداخلية تقودنا دائمًا نحو ما نحلم به، فحينما يصغي الإنسان لصوته الداخلي، يرسم دربه بنفسه، يحلم ويغامر، ويخطو بصدقٍ تجاه ما يؤمن به، يتحول الحلم واقعًا ملموسًا.
بين فرشاة ألوان ومسطرة هندسية وزغلول وقلقس ونعناعة، شق “حازم سامي”، مؤسس محتوى “زغاليل” طريقه -تمامًا- كما خطَّت ريشته ملامح تلك الشخصيات اللطيفة.
وفي حوارنا معه، بدأنا بسؤاله:
– بعد أن عرفناك كعضوٍ سابق في إنسايدر، وكصانع محتوى ورسام، كيف تُفضل أن تعرِّف نفسك اليوم؟
أنا حازم سامي، تخرجت منذ أربع سنوات، ولا أختلف عنكم كثيرًا في السن. منذ طفولتي وأنا مهتم بالفن بكل أشكاله، وأبحث دائمًا عن طرق للتعبير عما يدور في داخلي. بدأت رحلتي مع الرسم والخط وقراءة القرآن، وكانت محاولاتي الأولى بسيطة ومتواضعة، لكنني كنت دائمًا أركز على إيصال الفكرة أكثر من الاهتمام بالشكل أو الطريقة.
وخلال دراستي، كنت عضوًا في فريق الميديا بإنسايدر، واهتممت بالكاريكاتير حتى أصبح له مكانة مميزة في الجريدة.
– درست الهندسة المعمارية وعملت بها لمدة عام، فما الذي دفعك لترك هذا المسار المهني؟
بدأت صناعة المحتوى منذ عام (2016)، وشعرت أن لدي شيئًا أستطيع تقديمه للعالم، رغم أنني أحببت دراستي للهندسة وكنت طالبًا مجتهدًا، ولكن اكتشفت بعد التخرج أن سوق العمل يختلف كثيرًا عن الدراسة! وشعرت أنني غير قادر على التعبير عما بداخلي من خلال العمل الهندسي، فقررت أن أمنح نفسي فترة تجربة مع صناعة المحتوى. ولو لم أجرب، كان سيبقى داخلي شعور بأنني ضيعت فرصة أو أن شيئًا ما قد فاتني! وبما أنني كنت حديث التخرج ولا أتحمل مسؤوليات كبيرة وقتها، قررت أن أغامر وأركز بالكامل على هذا الطريق، والحمد لله مضى على قراري هذا ثلاث سنوات حتى الآن.
– هل فكرت في الجمع بين العملين بدلًا من ترك الهندسة نهائيًا؟
حاولت ذلك بالفعل خلال فترة دراستي وبعد التخرج بعامٍ، لكنني وجدت أن كلا المجالين يتطلب مجهودًا ذهنيًا ضخمًا.
الهندسة-خاصةً المعمارية-، تستهلك الذهن والتركيز بالكامل، وصناعة المحتوى تتطلب إبداعًا مستمرًا وتواصلاً حيًا مع الجمهور؛ فقررت أن أحرق مراكبي وأركز على صناعة المحتوى فقط، حتى أعطي نفسي فرصة حقيقية للنجاح، ولو لم أوفق كنت سأعود للهندسة.
– هل أثرت دراستك للهندسة على إبداعك في التصميم والرسم؟
بالتأكيد، دراستي للعمارة لم تذهب سُدى، بل العكس، علمتني التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل ضمن فريق.
فالهندسة ساعدتني كثيرًا في التفكير المرن، والتعامل مع المشكلات بطريقة منهجية، وهذه المهارات انعكست إيجابيًا على طريقة رسمي وتصميمي.
– في رأيك، هل كل من يملك موهبة يمكنه تحويلها إلى مصدر دخل، أم من الأفضل أن تظل الموهبة هواية؟
أعتقد أن الهوايات يجب أن تبقى هوايات في المقام الأول، لأنك عندما تحولها لمصدر دخل قد تفقد متعتك فيها وتتحول إلى عبء.
وأنا أرى الـ(Career shift) وسيلة وليست غاية! من المهم أن يكون لدى الإنسان شغف جانبي يحافظ عليه، حتى لو لم يتحول إلى عمل مربح.
– هل رسمك اليوم مصدر دخلك الأساسي أم لديك أنشطة أخرى مرتبطة به؟
الرسم جزء من عملي لكنه ليس المصدر الوحيد. عملي الأساسي هو صناعة المحتوى بمختلف أشكاله: رسم، أنيميشن، كتابة إعلانات، تعليق صوتي.
الموضوع تطور مع الوقت، ولم يكن الطريق واضحًا من البداية.
– كيف ظهرت فكرة “زغاليل”؟ وكيف بدأت تنفيذها؟
بدأت الفكرة منذ (2016) بصناعة المحتوى، لكن اسم “زغاليل”، ظهر في نهاية (2020).
في البداية كنت أفكر ببيع منتجات فنية، ثم انتقلت إلى الكوميكس، ثم تطور المحتوى تدريجيًا حتى وصل إلى ما هو عليه الآن: محتوى كرتوني توعوي وترفيهي يمس حياتنا اليومية.
– هل اشتركت أو ستشترك زغاليل مع شركات أخرى لإنتاج المحتوى للدعاية أو للعرض؟
منذ عام (2022) بدأنا بتكوين شراكات في مصر، وكانت أول شراكة مع موقع “ينفع.كوم”، ثم مع منصات تعليمية وشركات أدوية وبعض الشركات الأخرى.
لاحقًا، دخلنا السوق الخليجي والأردني، وأحدث الشراكات كانت مع قناة “سبيستون”.
– زغلول، قلقس، نعناعة.. شخصيات أحبَّها الجمهور، كيف ظهرت هذه الشخصيات وتطورت؟
التصميمات مرت بتطورات كثيرة حتى وصلنا للشكل النهائي.
بالنسبة للأسماء، بدأنا بزغلول، ثم قلقس-كان اسمه قُلقاسة في البداية وغيرناه، حتى لا يعتقد الناس أنه فتاة-، ثم ظهرت بقية الشخصيات. حرصنا على اختيار أسماء مصرية أصيلة، مميزة، وغير معتادة، لتعكس طابعنا المصري وتكون قريبة من الناس.
– محتوى زغاليل يتميز بالكوميديا النظيفة والتوعية البسيطة.. كيف تختارون المواضيع؟
هدفنا الأساسي أن نقدم محتوى ترفيهيًا لا يتعارض مع القيم الأخلاقية.
فنستلهم أفكارنا من الشارع، من مواقف الحياة اليومية، من أحاديث القطارات -مثلاً-.
نحرص على أن تكون رسائلنا إيجابية وغير مكررة، وأن تحمل طابعًا إنسانيًا بسيطًا يصل للناس بسهولة.
– لأي فئة عمرية توجهون محتوى زغاليل تحديدًا؟
في البداية كان المحتوى موجهًا للشباب، لكن مع مرور الوقت كوَّنا قاعدة جماهيرية كبيرة بين الأطفال بسبب الطابع الكرتوني.
ونحاول دائمًا أن يكون محتوى “زغاليل” غير مرتبط بتريندات عابرة، بل مستمدًا من حياتنا اليومية، ليستمر تأثيره دون أن يقف عند زمن معين.
– عند حديثه عن تأثير “زغاليل” على الجمهور، سألناه: لماذا تحمل القصة المحكية عبر الكرتون أو الأنيميشن أثرًا مختلفًا عن غيرها؟
أرى أن الشخصيات الكرتونية لا ترتبط في أذهان الناس بأحكامٍ مسبقة أو انتماءات محددة، فهي كيانات مجردة وأقرب للخيال. وعن “زغاليل”، أوضح وقال: أن بساطة الشخصيات جعلت المشاهدين يرون أنفسهم جزءًا من القصص، وأن التأثير الإيجابي يبدأ دائمًا من كتابة تحترم عقلية المجتمع وتبتعد عن إيحاءات سلبية.
– بالحديث عن بساطة شخصيات “زغاليل”، ما السمات التي تم توظيفها في كتابة كل شخصية؟
أجاب: أن الشخصيات تتطور مع الحلقات، وكان التناقض المقصود بين “زغلول” العاقل الهادئ و”قلقس” الطفولي الظريف هو أداة لتوضيح رسائل الحلقات، فلكل شخصية لغة وأسلوب خاص بها، بما يتناسب مع ملامحها وصفاتها.
– برأيك، ما الذي ينقص صناعة المحتوى الموجه للأطفال في مصر؟
ينقصها الجرأة على الاستثمار في أعمال جديدة ومختلفة، فقد تغيَّرت أذواق الأطفال بتغير الزمن، وأصبح من الضروري أن يعتمد صناع المحتوى على خبرات تربوية وفنية لتقديم شخصيات تنال إعجابهم وتحترم عقولهم.
– لماذا لا تعتمدون على المؤثرات الصوتية في محتوى وأغاني “زغاليل”؟
تردد قبل أن يجيب قائلاً: “أحترم شعور كل من يفضل الابتعاد عن الموسيقى لأسباب دينية، وأعترف أن التخلي عن الموسيقى تحدٍّ كبير، فهي تمنح العمل نكهة خاصة، لكن هذا التحدي يدفعنا لإنتاج محتوى أكثر قوة وتأثيرًا بدونها.
– هل توقعت هذا النجاح الكبير لـ”زغاليل”؟
أجاب مبتسمًا: لم أكن أتوقع كل هذا النجاح، كنت دائمًا أضع احتمال الإخفاق بجانب الأمل في النجاح، وهو ما جعلني أركز على التعلُّم من الأخطاء والسعي المستمر للتطوير.
– لو لم تنجح فكرة “زغاليل”، ماذا كنت ستفعل؟
ضحك وأجاب: كنت سأعود لمجال الهندسة، كنت مهندسًا بالفعل! لكن أعتقد أن طريقي مع زغاليل الآن لا رجعة فيه. -وعامةً-، لا وجود لضمان مطلق في هذا العصر!
– مع تسارع تطورات الذكاء الاصطناعي، كيف ترى تأثيره على صناعة المحتوى؟
أجاب مؤكدًا: الذكاء الاصطناعي غيَّر قواعد اللعبة، فتعلُّمه أصبح ضروريًا لتوفير الوقت والجهد، لكن الاعتماد الكامل عليه يقتل متعة الإبداع؛ لأن المتعة تكمن في الرحلة، لا في الوصول فقط.
– ما المهارات التي يحتاجها أي شخص لإنتاج محتوى مشابه لـ”زغاليل”؟
ضحك قائلًا: “هتقطعوا علينا!”، ثم أوضح: أهم شيء هو وجود فكرة قوية تليها كتابة مدروسة، ثم تأتي المهارات التقنية: الرسم، تصميم الشخصيات، التحريك، المونتاج، الأداء الصوتي، كتابة الإعلانات، والتواصل مع الجمهور والعملاء. لا يشترط أن تكون محترفًا في كل مجال، لكن التجربة المستمرة تصنع الفرق. والأدوات دومًا أمر ثانوي، بينما السر الحقيقي في التجربة والتطوير.
– ما خططك ومشاريعك القادمة في مجال صناعة المحتوى؟
نعمل حاليًا على إنتاج محتوى بشخصيات جديدة بالتعاون مع وجوه معروفة في المجال، مع الالتزام بنفس القيم التي بنينا بها زغاليل.
– وماذا عن خطط زغاليل المستقبلية؟
نخطط لتنظيم لقاءات على أرض الواقع مع محبي “زغاليل”، كما نحاول إصدار كتاب خاص بالشخصيات بالتزامن مع معارض الكتب، ولكن الفكرة ما زالت قيد الإعداد.
– أخيرًا، حدثنا عن تجربتك في تأسيس فن الكاريكاتير بـ”إنسايدر”، جامعة المنوفية؟
قال بحماسٍ: كانت البداية بدخولي الجامعة، عندما أخبرني أحد الأصدقاء عن موهبتي بالرسم، فشجعني على الانضمام إلى إنسايدر، واجتزت المقابلة الشخصية، وقضيت سنوات الجامعة كلها معهم. بدأت برسم كاريكاتير بسيط حتى أتقنت العمل عبر برامج التصميم، وشاركت في ثلاث مؤتمرات فاز فيها فريق إنسايدر المنوفية بلقب أفضل فريق على مستوى الجامعات. ولازلت أحتفظ بشهادتي التكريمية من (2017)، وأعتبر إنسايدر بيتي الأول الذي تعلمت فيه الكثير.
وهكذا انتهى لقاؤنا مع حازم سامي، لكن الإبداع الذي رأيناه يُنبِّئ بمسيرة طويلة من النجاح المتجدد. وبين كل إجابة وأخرى، كنا نلمس أن النجاح الحقيقي يبدأ بالشخص نفسه، لا بالعوامل من حوله.
وبعد قراءة هذه السطور، ستؤمن أن السر هو التجربة، وأن لا ضمان في الحياة إلا بالمغامرة في سبيل ما نحب.