من التقييم للمعاناة: طلاب طب بمواجهة قسم (ENT)

لطالما ارتبطت دراسة الطب بالتحديات التي تتطلب جهدًا استثنائيًا من الطلاب، فبين الكم الهائل من المعلومات والحياة العلمية الشاقة، تشكل الاختبارات عنصرًا حاسمًا في تقييمهم. لكن عندما يتحول الامتحان من مقياس للكفاءة إلى عقبة تعجيزية، تُصبح الأزمة أكثر تعقيدًا.

في قسم الأنف والأذن والحنجرة (ENT)، واجه طلاب الدفعة (40) أزمات حقيقية خلال الامتحان العملي، إذ عبر العديد منهم عن استيائهم بسبب خروجه عن المحتوى المُقرر، وعدم الالتزام بقواعد التقييم. فماذا حدث؟ وعلى أي أساس يُقيم طلاب طب المنوفية؟

“ضغط متزايد وامتحانات بلا معايير”

الامتحانات لم تعد مجرد مقياس للتحصيل العلمي، بل أصبحت -في نظر بعض الطلاب- اختبارًا خرج نطاق التقييم الموضوعي المستند إلى معايير واضحة. فالمناهج رغم كونها معقدة وثقيلة، إلا أنها لا تشكل دائمًا مرجعًا حقيقيًا للأسئلة، إذ تأتي الامتحانات أحيانًا خارج محتواها.

ويُذكر أحد الطلاب عن الطرق المتبعة في التقييم: “يتحكم في التقييم شيء لا نعلمه، على أساسه يكون الامتحان جيدًا أو سيئًا، والأمر ينعكس علينا”، وأضاف أن امتحانات “الأوسكي” لم تقتصر على الأسئلة العلمية، بل شملت أشياء شخصية لا علاقة لها بالمادة، مثل سؤالهم: “ماذا كنت أرتدي بالمحاضرة؟”، مما يُطرح التساؤل الجدي: هل هناك معايير أكاديمية واضحة للتقييم؟ أم أن الأمر متروك للأهواء الشخصية؟ وإلى جانب التقييمات غير العادلة وضغوط الامتحانات والجداول المزدحمة والموديولات؛ يواجه الطلاب عبء إضافي بسبب مواعيد تسليم الأنشطة، التي غالبًا ما تُطلب في اللحظات الأخيرة، وهو ما يُعبر عنه أحد الطلاب باستياء: “يطلبون الأنشطة في نهاية الأسبوع الأخير من الموديول! رغم تفرغنا قبل ذلك، مما يسبب ضغطًا.. فهل أذاكر للموديول أم أسلم الأنشطة؟”.

“فروق بين المجموعتين وامتحان خارج المقرر”

يُقسم منهج قسم الأنف والأذن والحنجرة (ENT) لطلاب الدفعة (40) إلى أربعة فصول لدراسة الأنف، والأذن، والحنجرة، والبلعوم، ويمتد على مدار خمسة أسابيع، بإجمالي درجات (112.5)، موزعة كالتالي:

‏(33.75) Practical، (11.25) End Module، (22.5) Activities، و(45) Final.

وتم تقسيم الدفعة إلى مجموعتين، من المفترض أن تخضع المجموعتان الأولى والثانية لنفس الظروف والصعوبات، إلا أن الفارق كان كبيرًا في هذا الموديول، خاصة في الامتحان العملي. فقد صرح أحد طلاب المجموعة (2) قائلًا: “امتحاننا كان جيدًا، ولم نواجه أي مشكلة، على عكس ما حدث مع طلاب المجموعة الأولى، فرغم ثقل مقررهم الأساسي وما أُضيف عليه من مواد، فوجئوا في الامتحان أن الأسئلة جاءت من خارج المادة العلمية، فضلًا عن عقبات أخرى واجهوها أثناء الامتحان”.

“مشكلات تنظيمية وسخرية باللجان

بالنسبة لطلاب المجموعة (1)، فقد جاء الامتحان العملي بأسئلة من خارج المنهج والمقررات، كما أن “الشفت” الذي من المفترض أن يستمر لمدة ثلاث دقائق كان أقصر من ذلك، فلم يتجاوز دقيقتين كما ذكرت إحدى الطالبات، بالإضافة إلى أن الصور لم تكن واضحة، خاصة أن بعض الطلاب أدوا امتحانهم في المدرج الأرضي، وأفاد أحدهم بوجود مشكلة في الـ(Monitor) أدت إلى عدم تمكنهم من رؤية الـ(Slides) بوضوح، واستحالة رؤية بعضها.

وما زاد الأمر سوءًا بحسب الطلاب، هو دخول أحد الأساتذة إلى اللجان وسخريته منهم معقبًا: “الامتحان مستواه (KG2)، علشان تبقوا تسمعوا محاضرات د. مسعد” في إشارة إلى د. مسعد عبد العزيز -الأستاذ بالقصر العيني- ولشرحه المنشور على منصة (YouTube) الذي يلجأ له كثير من طلاب الطب في الجمهورية كلها حسب شهادة بعضهم. لم يتمالك بعض الطلاب دموعهم في هذا الامتحان إذ ينقل أحدهم: “كنا نبكي داخل اللجنة ونحسب الدرجات، لا ينبغي أن نُعامل بهذه الطريقة التي تحرق أعصابنا!”، وعندما سُئل الطلاب عن سبب التفاوت بين المجموعتين، جاء الرد بأنه لا يوجد تفسير واضح لهذا التمييز.

وهنا يُطرح السؤال: أليس الطب بحرًا واسعًا من العلم! فلماذا تُحدد طرق البحث وتُضيق عليهم مصادر المعرفة؟ وإن كانت المناهج التي يدرسونها هي المرجع الأساسي فلماذا لم يلتزم بها الأساتذة؟ ولماذا لم تأتِ الأسئلة منها؟

“ضغوط الامتحانات تتحول لمأساة”

وسط هذه الأزمة، لم تكن الضغوط مجرد مشاعر عابرة للطلاب، بل تحولت إلى مأساة حقيقية تجسدت في إحدى الطالبات التي خرجت من اللجنة في حالة انهيار نفسي شديد، بعدما تزايد إحساسها بالظلم وصعوبة الأسئلة التي لم تعكس ما درسته. وبحسب شهادات صديقاتها، فقد كانت في حالة نفسية متدهورة عقب الامتحان، وفي تطور مأساوي نُقلت الطالبة إلى المستشفى إثر إصابتها بنزيف داخلي في المخ وفق ما أكدته عائلتها، التي فضلت الحفاظ على خصوصية حالتها الصحية، خاصةً بعد تداول بعض الادعاءات التي تزعم أن ما حدث نتيجة عامل وراثي، وليس الضغوطات التي تعرضت لها!

ونبقى أمام أسئلة أخرى:

إلى متى ستظل معايير التقييم خاضعة للاجتهادات المزاجية؟ أين المسؤولية الأكاديمية في الحفاظ على صحة الطلاب النفسية والجسدية وسط هذا الضغط؟ هل ستتسبب هذه الحادثة في مراجعة حقيقية لسياسة وضع وتقييم الامتحانات، أم ستصبح حلقة جديدة في سلسلة معاناة الطلاب تحت وطأة الضغوط الجامعية؟

Previous Article

أزمة دفعة (39).. بين صرامة اللوائح وتباين الحلول

Next Article

حادث الجلالة.. نهاية لرحلة لم تبدأ بعد

Write a Comment

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨