في ضيافة النبي

تُرى ماذا لو أُتيحت لنا العودة بالزمن إلى الوراء، أي زمنٍ سنختار؟ -هذا السؤال يتردد عليَّ من فترةٍ إلى أخرى- تخيَّل الأمر في مخيلتك؛ ولكن دعني أُجيب عليه أولًا، سأختار زمنًا تنفس من هوائه المصطفى -ﷺ-، وأرضًا خطت عليها قدماه الشريفتان ودعست نعلاه ترابها، لذلك عندما سمعت اسم الكتاب -من شريف علي- في بودكاست وعي -حلقة الدعاء ربما- أدركت أين ستكون الوجهة وبصحبة من ستكون الرحلة.

اليوم النبوي -الصادر لأول مرة عام (2012) عن مؤسسة الإسلام اليوم للنشر- هو كتاب للعالم الإسلامي/ عبد الوهاب بن ناصر الطريري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، والمُهتم بالسيرة النبويَّة، فله العديد من الكتب في هذا الصدد منها: (أماكن نبويَّة – لوحات نبويَّة – قصص نبويَّة). كوَّن الكاتب فكرة الكتاب قبل كتابته بـ(20) عام، وذلك عندما اقترح عليه أحد أصدقائه تتبع سير يوم النبي -ﷺ-.

يُعد الكتاب برنامجًا لليوم الكامل في حياة النبي -ﷺ-، يبدأ الكاتب بمقدمة وصفيَّة عن المدينة المنورة يُهيئ فيها القارئ لرسم صورة المدينة بنخيلها وأزقتها؛ ليكون على استعداد للانطلاق في رحلته بصحبة النبي، يمشي بجانبه ويُجالس أصدقائه ويتعرف على أهله. ينتقل الكاتب للبداية الفعليَّة للكتاب بأشعة النور المتسلسلة من الشمس لتشق ستار الليل المظلم وصوت بلال يوقظ النبي -ﷺ- لصلاة الفجر -فهكذا يبدأ يومه-، ويمتليء اليوم بعد ذلك بمقابلة أصدقائه ومجالستهم ومعاهدة أقاربه وأصحابه الأحياء وكذلك الأموات، والجلوس مع أهل بيته إلى أن ينتهي يومه بالنوم والنهوض وقت السحر لصلاة القيام.

وأنت بين يدي الرسول -ﷺ- وفي رحابه أكثر ما ستلاحظه هو كثرة دعائه، فكلما فَعل فِعلًا دعا الله.. إذا قام من مكانه دعا، إذا تناول ملابسه دعا، فالدعاء سمة أساسيَّة في حياته -ﷺ-، فقد كان لسانه رطبًا بالدعاء وبكثرة ذكر الله والاستغفار -رغم أن الله قد غفر ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر-.

بتأمل صفات النبي -ﷺ- من خلال أفعاله استوقفني تواضعه -من صفاته المحببة لقلبي-، فهذا الرجل قد حاز دينًا وخُلقًا، فله قدرٌ ومنزلةٌ عند الرب وفي قلب العبد، فإذا حدَّث قومه سُمع وأُطيع؛ ولكنه رغم كل ذلك كان يمشي في الأسواق يُشارك أصحابه الطعام من نفس الطبق، يبتسم لمن يقابله في الطريق، إذا صافح أصحابه لا ينزع يده من يد مُصافحه حتى ينزع هو! من الصفات التي استوقفني أيضًا أنه مُراعٍ لأدق التفاصيل، فكان إذا جلس في مجلسه النبوي يُحدث أصدقائه ويُعلمهم جلس بعد الفجر وبعد الظهر لأن هذا الوقت سبقه راحة وفترة نوم، ولا يُحدثهم بعد العصر والعشاء لأن الناس بحاجةٍ إلى راحة، كما لم يتحدث معهم وقت المغرب لأن الناس بحاجة لتناول عشائهم.

من مميزات الكتاب أنه في هامش الصفحة من الأسفل يذكر الكاتب مصادره التي اعتمد عليها في جمع معلوماته. كُتِبَ الكتاب بلغةٍ بسيطة، ربما ستستوقفك كلمات قليلة جدًا وردت في الأحاديث وتُريد أن تعرف معناها، كما أن أسلوب الكتاب في التناول قريب قليلًا من كتب شروح الأحاديث. عدد صفحات الكتاب (125) صفحة في نهايتها تُوجد (18) دلالة من المفترض أن تكون خرجت بهم من خلال معايشتك لليوم النبوي.

في النهاية ستُدرك أن اليوم النبوي الواحد هو ما صنع الإنجازات الكبرى التي تحققت على يد النبي -ﷺ-؛ لتتعلم أن بالترتيب والأشياء البسيطة يُمكنك أن تصنع معجزاتك.

– التقييم: (9/10).

Previous Article

من قصص الآيات

Next Article

ما لا يسع المسلم جهله.. أسس لا غنى عنها

Write a Comment

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨