الغلبان.. طير يحلق دون أجنحة

بين أزقةِ عْزة، كان الفتى “أحمد الغلبان”، الذي يبلغ من العمر ستة عشر عامًا، يحلم أن يكون لاعب جمباز، ذلك الحلم الذي شاركهُ مع توأمهِ محمد منذ سن السابعة.
قاما بتوثيق مشاركتهما للمهرجانات والاحتفالات وكل لحظاتهم السعيدة، في فيديوهاتٍ مليئة بالتفاؤل والنشاط، نشراها عبر وسائل التواصل. فيديوهات وثَّقت الخِفَّة، الأمل والحلم، كانا طيرًا، يملكان أجنحة ويحلُمان بالطيران، حتى جاءت الحرب وانتزعت كل شيء، إلا الأمل، ففي عْزة لا تتطاير الأحلام مع البارود.

تواصل معهم الكيان، عدو يعرفونه ولا يهابوه، وأوضح بكل صراحة نيَّته في قصف موقعهم، تحديدًا منطقة الشيماء بمحافظة الشمال، وأثناء استعداد أحمد وعائلته لنزوحٍ جديد، جاءت الغارة قبل موعدها، يقولون أن في عْزة هنالك فارق زمني بسيط بين ارتطام القذيفة وانهيار المبنى؛ لتبدأ آخر النظرات.

حَضن خالُهُ ابنته بسرعة، لتكون هي المشهد الأخير، جرى محمد على توأمه أحمد ليجده يرتل آياتٍ من القرآن، ساكنًا ويرتل، ولا يريد أن يكون وحيدًا.

“استشهد أخوي، وخالي وبنت خالي، وهي أنا متل ما أنتم شايفيني”. يقولها أحمد، بصوتٍ مرتجف، بعد استيقاظه داخل المستشفى، فاقدًا لرجليه وأربعة أصابع من يده اليسرى، وبعينين مليئتين بالدموع؛ لكنهما لا تزالان تحملان بصيصًا من الأمل.

فقط بصيصٌ من الأمل، هو الذي جعل “أحمد”، يقفز فوق حواجز الألم، متجاوزًا اليأس وحالمًا بالسفر للخارج؛ لتركيب أطرافٍ صناعيَّة تُمكِّنه من العودة إلى الجمباز، والأم “أمينة” تقف جوار سريره، صامدة، لا تتمنى سوى أن يُحقق ابنها حلمه وحلم أخيه.

لا يزال أحمد يسمع صوت أخيه يتردَّد في أُذنيه، ولا تزال أقدامه المفقودة تُخبره أن عليه العودة، ولا تزال هناك طيور ستحلِّق في سماء الأحلام.
فهل تتَّسعُ لها السماء؟

Previous Article

ياسين.. بطل صنعه الشر

Next Article

سارة حسن.. قُطفت قبل أن تزهر

Write a Comment

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨