أفوز من أجل نفسي

“أفوز من أجل نفسي، أفوز كي أُثبت لنفسي وللجميع أن الحرب بإمكانها أن تُوقف بعض الأشياء وليس كلها”.

عبارة تختصر كيف يُمكن لحلمٍ بسيط أن يُقاوم المصاعب ليُصبح أيقونةً للأمل؟ وكيف يُمكن لطفلةٍ وُلدت في أحد أكثر الأماكن قسوةً أن تُصر على الجري؟ وجَريها ليس هربًا بل سعيًا نحو تحقيق ذاتها!

“لا تقولي إنك خائفة” هي روايةٌ مستوحاة من قصةٍ حقيقيَّة، تسرد رحلة “سامية يوسف عمر” العداءة الصوماليَّة التي تحدَّت الحروب والفقر والتمييز؛ لتحقيق حلمها بالمشاركة في الأولمبياد. كما يُقدِّم الكاتب الإيطالي “جوزِبه كاتوتسيلا” في (220) صفحة مزيجًا من الواقع والأمل، من الطموح واليأس ومن قوة الإرادة وقسوة الظروف بأسلوبٍ إنساني مؤثر. صَدرت الرواية في نسختها العربيَّة عن دار “المتوسط” بعدما نالت شهرةً واسعة؛ حيث تُرجمت إلى لغاتٍ عديدة وحازت جوائز أدبيَّة مرموقة. تُرجمت إلى العربية على يد “معاوية عبدالمجيد”، المترجم السوري المعروف بأسلوبه السلس الذي يُحافظ على روح النص الأصلي دون إخلال.

تبدأ الرواية بطفولة سامية في مقديشو، حيث نشأت وسط بيئةٍ مليئةٍ بالمصاعب والمخاطر؛ لكن شيئًا واحدًا يجعلها تشعر بالحرية: الجري. فمنذ صغرها تكتشف شغفها بالركض، مدفوعةً بحلمها في تمثيل بلدها على الساحة الرياضيَّة، إلا أن طريقها ليس مفروشًا بالورود؛ فكونها فتاةً في مجتمعٍ محافظ يجعل ممارستها للرياضة تحديًا يوميًا، فضلًا عن تزايد حدة الصراعات في البلاد. رغم ذلك.. تستمر سامية في التدريب بصبرٍ وإصرار، وصولًا إلى تمثيل الصومال في أولمبياد بكين (2008). لكن بعد عودتها تجد نفسها مُحاصرةً بواقعٍ أشد قسوة؛ لتبدأ رحلةً جديدة.. رحلة الهروب نحو أوروبا بحثًا عن مستقبلٍ أفضل.

استطاعت كلمات الرواية تجسيد المعاناة الإنسانيَّة بصدقٍ بعيدًا عن المبالغة، حيث ينقل كاتوتسيلا الأحداث بلغةٍ بسيطةٍ لكنها مؤثرة، تُمكن القارئ من معايشة كل لحظةٍ من حياة سامية وكأنها تحدث أمامه في فيلمٍ وثائقي! كما تُلقي الرواية الضوء على عدة قضايا: الهجرة غير الشرعيَّة، الحلم الأوروبي الذي يُصبح كابوسًا. ومنها تُعيد طرح تساؤلاتٍ حول معنى الحدود ومعنى الأمل، ومعنى أن تكون إنسانًا في عالمٍ يضيق بك! ورغم مأساويَّة القصة فإنها ليست مجرد روايةٍ عن الفقد، بل هي قبل كل شيءٍ روايةٌ عن الإرادة.. عن الحلم الذي لم ينكسر حتى في أقسى الظروف.

– التقييم: (9/10).

Previous Article

مادلين.. سفينة حملت الأمل وسلبه الإجرام

Next Article

الوجه الآخر للعالم

Write a Comment

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨