عبد الرحمن الشرقاوي.. صوت الفلاحين

بالتقليب في فصول حياته ستجده من هنا -المُنوفيَّة- استمدَّ أصالته؛ لتشع سُرُجه إبداعًا وأخلاقًا أينما حَلَّ، من هنا استمدَّ شجاعته ليحمل على عاتقه همَّ الفلاحين والمستضعفين في كل مكان، فيكون لهم صوتًا ومرآةً تعكس معاناتهم. “عبد الرحمن الشرقاوي” هو كاتب وشاعر ومؤلف مسرحي ومفكر إسلامي.

“الفصل الأول.. رحلةٌ إلى الدنيا”

في العاشر من نوفمبر عام (1920) أشرقت شمس عبد الرحمن الشرقاوي على دار أسرة بسيطة بقرية “الدلاتون” مركز شبين الكوم، في القرية رأى الشرقاوي صورًا كئيبة ظلَّت في ذاكرته حتى نَفَسِه الأخير، فنمت عيونه على يد الإقطاع تُحْكِم الخناق على عُنق الفلاحين، ووحوش الإنجليز الجائعة تنهب قوتهم. معاناة وفقر الجميع من حوله حمَّلانه مسئوليَّة أن يكون الصوت الذي يخرج من الحناجر المكتومة بتهديد السياط، فراح يبحث عن أي وسيلة تُمكنه من ذلك إلى أن استقر أخيرًا على القلم.

“وسألت أمي عمَّا هُناك

وماذا دهى القرية الساكنة؟

فقالت: “بُني هم الإنجليز”

يثيرون أيامنا الآمنة

وقد أخذوا كل غلاتنا

وقد جف الماء في الساقية

ولم يبق شيء على حاله

سوى حسرة مرة باقية”

“الفصل الثاني.. ميلاد كاتب”

كانت أولى خطوات الشرقاوي التعليميَّة في كتَّاب القرية، فحفظ القرآن الكريم الذي أثرى حصيلته اللغويَّة، ثم أكمل تعليمه في المدارس الحكوميَّة إلى أن تخرَّج من كليَّة الحقوق جامعة الملك فؤاد الأول -المعروفة حاليًا بجامعة القاهرة- عام (1943). أبدى عبد الرحمن الشرقاوي حبًا للأدب والشعر منذ صغره، فوُلد الكاتب الصغير بداخله في مراحل مبكرة وازدهر في المرحلة الثانويَّة، فكان يكتب الشعر المسرحي والشعر الغنائي وينشره في الصحف المحلية، وعندما تخرَّج الشرقاوي من الجامعة عمل بالمحاماة مدة عامين ثم تركها؛ لأن الكاتب بداخله أخذ يلح عليه في الظهور، فكتب بدايةً في مجلة “الفجر” ثم “الطليعة”، وبعد ثورة (23) يوليو عمل في صحيفة “الشعب” ثم “الجمهورية” وتولى بعد ذلك رئاسة تحرير “روزاليوسف” كما عمل في جريدة “الأهرام”.

“الفصل الثالث.. ملامح بطولة”

المشاهد التي خُزِّنَت في ذاكرته أخذت تغلي مراجل قلبه، ففي صغره خرج الشرقاوي برفقة أصدقائه يهتفون “الله حي.. سعد جي”، فقبض خفراء القرية عليهم، وحُبس في غرفة السلاح المظلمة بدوار العمدة، هذه الحادثة لم تُؤثر قط على تمرده فقد هاجم المحتل البريطاني ودعا إلى حرية الوطن، فاعتُقِل جراء فعلته عام (1947) وحُبِس في زنزانة واحدة مع محمد مندور وعبد العزيز فهمي، كما حمل راية ثورة “يوليو” عاليًا، فكتب في مجلة التحرير مُعبرًا عن الثورة وقيادتها ليُصبح بذلك أديب الثورة وشاعرها.

“الفصل الرابع.. كلمات من نور”

كان الشرقاوي متأثرًا بنشأته الريفيَّة، فجسَّد الواقع المرير الذي رآه في قريته من معاناة الفلاح الأجير أمام سطوة مالك الأرض الثري، وناقش مشكلة الظلم في توزيع حصص مياه الري في روايته الأولى “الأرض” عام (1954)، وعقب صدور هذه الرواية -التي حُوِّلت لفيلم يحمل نفس الاسم عام (1970)- انتقده لويس عوض مُدَّعيًا أن الفلاحين الذين يكتب عنهم لا يَمُتُّون للواقع بِصِلَة، فرد الشرقاوي قائلًا: “إن الفلاحين الذين أكتب عنهم هم أهلي، فأنا فلاح من المنوفيَّة مركز شبين الكوم… أنا أكتب عمن أعرفهم وعما أعرفه في حقولنا وفي قرانا”، كما كتب عدة روايات أخرى منها: (الشوارع الخلفية – قلوب خالية – الفلاح).

بينما في الناحية الشعريَّة، فقد أصدر عام (1957) ديوان بعنوان “من أب مصري إلى الرئيس ترومان” والذي يعده النقاد من أوائل القصائد في حركة الشعر الحر. تولى الشرقاوي مهمة التعبير عن المناضلين والثائرين في كل مكان فكتب عام (1959) مسرحيَّة “مأساة جميلة” عن الجزائرية جميلة بوحريد، ومن مسرحياته أيضا (الحسين ثائرًا – الحسين شهيدًا – النسر الأحمر – أحمد عرابي”، بينما في مجال التراجم الإسلاميَّة كتب (محمد رسول الحرية – علي إمام المتقين – الفاروق عمر)، كما شارك في كتابة سيناريو فيلم “الرسالة” مع توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار.

“الفصل الأخير”

المشوار الذي مشاه عبد الرحمن الشرقاوي لم يكن هينًا، فقد كان مليئًا بالحقيقة المحفوفة بالشوك وكذلك الإبداع والتجديد، لذلك أُعطي جائزة الدولة التقديريَّة في الآداب عام (1974)، وفي العاشر من نوفمبر عام (1987) أسدل الستار على حياته -بعد صراع مع المرض- وكُتبت كلمة النهاية، وأعلنت مدينة القاهرة -بحفاوة- أنها ستضم رفات عبد الرحمن الشرقاوي إلى الأبد.

Previous Article

مِن رملة الأنجب إلى رحابة الشعر

Next Article

محمود علي البنا.. صوت المنوفية الرخيم

Write a Comment

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨