كيف يحيا الأدب؟

أن تبدأ سعيك في الفن منذ الصغر حتى تصل إلى كل ما يتمناه أي فنان، “ميجو” أو محمد علاء، ناداه حلمٌ لم يترك عقله إلا بعد تحقيقه، وسطورنا القادمة ستكشف ما هو مختبئ خلف هذا الفن؛ وللتعرُّف أكثر عن هُويَّته كان السؤال الأول كالآتي:
– بدايةً.. كيف تُحب أن تُعرِّف عن نفسك؟
أنا “ميجو” رسام ومؤلف قصص مصورة، ومؤسس ستوديو (YE Comics).

– كيف تصف نشأتك؟ وهل كانت تربة خصبة لتلقي الفن؟
وُلدت في مصر تحديدًا القاهرة، كانت عائلتي تُحب القراءة بجانب اهتمامهم للأمور الفنيَّة؛ فكان البيت معتادًا على توافر مجلات الكوميكس كمجلات: ميكي وسمير وماجد، وما سَهَّل الأمر أنها كانت متاحة وتتوافر في المكتبات بسهولة؛ لذلك ارتبطتُ بصريًا بفن الكوميكس وتعلَّقت به وأحببت الكيفيَّة التي يتم بها سرد القصة عن طريق شخصيات مرسومة. غير أنني تعرفتُ على فنانين مهمين مثل: محمود القاسم ومحمد الحاكي وغيرهم، وربما ما ساعدني بشكل كبير على وصولي لما عليه الآن هو الفضول الذي يتملَّكنِي لتجربة واكتشاف الأشياء لإرضاء الحماس بداخلي، ولا أنسى الدعم الكبير من أسرتي؛ فوالدي ووالدتي كانوا يُوفرون كافة الاحتياجات الفنيَّة، التي من الممكن أن تكون صعبةً على طفل مثلي أن يمتلكها وليست أساسيَّة كذلك، كل هذا دفعني لاكتشاف المجال بطريقة أكثر ثراءً، من الكاريكاتير إلى الكوميكس حتى الأنيميشن والسينما، وألحَّت الرغبة داخلي لدراسة الموضوع بشكل تخصصي، ومن هنا جاءت فكرة السفر لأمريكا.

– بذكر سفرك لأمريكا، لقد درستَ هناك العديد من المجالات: كالعمارة والإخراج السينمائي والفنون الجميلة. هل تنوع المجالات ساهم في تنميَّة مهاراتك في صناعة الرسومات؟ وما السر وراء هذا التنوع؟
كان من حسن حظي أن كل المجالات التي درستها تُنمي بشكل أو بآخر الإبداع، وسأشرح لك كيف تكوَّنت الصورة الكاملة للفن المعروض؛ فالعمارة تعلمتُ منها أن أقوم بعمل خريطة للمكان التي تتواجد به الشخصيات، ثم جاء الإخراج السينمائي ليجعلني أُفكر: أين أضع الكاميرا؟ وكيف ستتناسب الزوايا مع حركة الشخصيات؟، وتُكمِّل دراستي للفنون الجميلة الصورة الكاملة فأحولها لكوميكس أو أي نوع من أنواع الرسوم، هذا يُفسر كيف يكون ذهنك في رياضة إبداعيَّة مستمرة؛ حتى تصل لصورة جماليَّة تُعجب الجمهور في نهاية الأمر.

– ما هي الصعوبات التي واجهتها أثناء دراستك لأمريكا؟ وكيف تغلبت عليها؟
لم يكن هناك صعوبات بالصورة الفعليَّة؛ ولكن عند النظر للمجال الفني في أمريكا، فهو مجال حقيقي واسع جدًا عن مصر، فكان التحدي الحقيقي أن أفهم آليَّة هذه الصناعة؛ لكن مع الدراسة ثم الاندماج في المجال فهمتُ الأمر بشكله الكامل، هذا مع بعض العوائق الدراسيَّة مثل الوحدة والغربة وما إلى ذلك.

– وبعد هذه الرحلة المُوفَّقة، عُدتَ بمشروع يُحوَّل روايات نجيب محفوظ لكوميكس! فما هو الدافع للمشروع؟ وما الهدف منه؟
أنا انبهرت بالأعمال التي قام بها الأديب “نجيب محفوظ” واللغة البصريَّة التي يَملكُها، والتي كادت تصل إلى مستوى السيناريو السينمائي من شدة الإتقان، غير ارتباطي برواية “أولاد حارتنا” حتى شعرت بأنها رواية تَصلح تمامًا بأن تكون فيلم سينمائي أو رواية مُصوَّرة.
كانت البداية بنشر جزء بسيط منه كالفصل الأول من “أولاد حارتنا”، حتى وجدت رد فعل كبير من الجمهور، فكان الهدف أن أجذب الجمهور للقصص المُصوَّرة، وأن أُُرِيهم أهمية وغِنى هذا المجال من أدوات مُبهرة، يُمكن من خلاله تناول العمل بشكل مختلف وجديد. بجانب هذا فالكوميكس لغة بصريَّة مُعاصرة، تزداد أهميته عند توصيل العمل الأدبي لجيل لم يقرأ العمل الروائي من قبل أو يرى الأعمال الأدبيَّة الضخمة صعبة قليلًا، فالأهداف تعدَّدت أما الدافع فهو دافع فني في الأساس.

– هل سنرى مشاريع لكُتَّاب آخرين في المستقبل؟
أتمنى ذلك فأنا مُحب للأدب بشكل عام، لا يُوجد عمل أدبي قمت بقراءته إلا ووجدت فيه صورة جميلة تستحق أن تُرى، في الستوديو نعمل على مشاريع مختلفة.. منها أعمال أصليَّة، فالكوميكس في الأساس فن إبداعي مُتفرغ لديه مساحات واسعة للانطلاق منه، فلا نُريد تحجيم أنفسنا في فكرة تحويل الأعمال الأدبيَّة لقصص مُصوَّرة؛ لكن بجانب ذلك هناك كُتاب روائيِّين عِظام مثل: توفيق الحكيم، إحسان عبد القدوس ومصطفى محمود وغيرهم من الكُتاب المعاصرين الذين يقومون بكتابة عمل أدبي فيه صورة واضحة ولطيفة نستطيع أن نستخدمها، وأسلوب سردي سلس تستطيع كصانع كوميكس أن تستفيد منه. فليس الهدف هو تحويل الأعمال الأدبيَّة لقصص مُصوَّرة؛ إنما عند التفكير في أدباء وكُتاب آخرين فلا مانع أبدًا أن نُفكر في ذلك مستقبلًا.

– بذكر الحديث عن عمل الستوديو وتنوع فنونه، أخبرني كيف أتت فكرة الستوديو؟
فكرة الستوديو موجودة طوال الوقت، أنا متأثر جدًا بفكرة الإنتاج الضخم، وانتشار مجال الكوميكس من شركات كبرى مُتخصِّصة في صناعته، بينما نحن ما زلنا نتحسَّس ونكتشف هذا العالم ونفكر فيما يُصلح له سواء بالتعبير عن القضايا، أو الترجمة بواسطته لأعمال أدبيَّة كمشروع نجيب محفوظ المُصوَّر أو حتى إنشاء أعمال أصليَّة.
ففكرة الستوديو مرتبطة بكيفيَّة الاستمرار لإنتاج هذا الفن، وهذا لن يتحقق إلا لو كان هناك تخصصات؛ ففن الكوميكس مشابه لفن السينما في مراحل الصناعة من أول كتابة السيناريو، والرسام الذي سيقرأه ويضع له إخراج فني، مرورًا بمرحلة تصميم الشخصيات، ثم رسم الصفحات نفسها من أول التتابع البصري عند رؤية كل الصفحات، ثم الإسكتشات وتحبيرها وتلوينها ثم وضع البالونات والخطوط والكلام. فهنالك ما يزيد عن سبع مراحل كل مرحلة يقوم بها فنان أو أكثر، وجميع الفنانين كُلٌ منهم متخصص في مجاله أو يلعب أدوار مختلفة في مشاريع أخرى.

– ما الفرق الجوهري بين الكاريكاتير والكوميكس؟ وكيف يرتبط فن الكاريكاتير بالصحافة؟
أرى أن الكاريكاتير هو التعبير عن وجهة نظر أو فكرة معينة، أو حتى السخرية من فكرة وانتقادها بشكل سريع ومباشر في لقطة واحدة، ويُمكن أن تكون بدون كلام أو تعليق. بينما القصص المُصوَّرة -الكوميكس- هو فن مبني على السرد والحكي البصري، تُعطي للفنان حرية أكبر مثل السينما فيمتلك الحوار والشخصيات والدراما للتعبير عن الفكرة، فكل هذه الأدوات تخلق فرق كبير بين الفنين. وفن الكاريكاتير مرتبط بشكل كبير بمهنة الصحافة، ويتم استخدامه في قوالب معينة ومخصصة كارتباطه بالنقد اللاذع، سواء مواقف سياسيَّة أو اجتماعيَّة أو حتى سلوكيات.

– ما الذي تضيفه هذه الفنون للمجتمع؟
يُطلق على الكوميكس “الفن التاسع” ويُضيف للمجتمع الكثير فهو الحلقة بين السينما والرسوم؛ فلَه كل الأدوات المتاحة لصناع السينما بدايةً من القيام بعمل فنيَّ مُصوَّر ممتع حتى إيصال الفكرة التي تُريد، مثل عمل “يأجوج ومأجوج” الذي عَبَّرنا من خلاله عن التراث والثقافة الخاصة بنا بطريقة ممتعة. فهو يفتح الباب للقراءة في هذه المواضيع أكثر واكتشافها، غير الأعمال الأدبيَّة لـ”نجيب محفوظ” التي حققت نجاح كبير في المجتمع.

– كيف اختلفت شهرة هذه الفنون الآن عما مضى؟
في الماضي الكاريكاتير كان مؤثرًا بشكل أكبر، والمجتمع المصري حينها كان يتعامل مع هذا الفن بأنه “مُخصص للكبار” فيُناقش الأفكار المهمة، بينما الكوميكس كانت تتمثل في ميكي وأمثالها فتخصصت للأطفال بشكل أكبر. لكن مؤخرًا بدأ فن الكوميكس يُناقش الأفكار والمواضيع المهمة، وذلك على عكس الكاريكاتير الذي لم يُصبح له نفس التأثير.

– بالنسبة للأشخاص المهتمين بمجال الكوميكس، كيف تندمج في المجال وتتعرف عليه أكثر -حتى وإن لم تمتلك الموهبة-؟
كلمة موهبة تُوحي بوجوب امتلاك شيء لا يمتلكه الآخرون للدخول في مجال الفن وهذا خطأ شائع، والصحيح أن الفن يبدأ بداخلك من مجرد ارتباطك به، والفرق بين فنان وآخر يكمن في تطوير الأدوات، وهنا يجب ألا تكون مُعتمدًا طوال الوقت على مرجعِيتك الخاصة؛ فيجب عليك النظر لرأي الجمهور -فهو فن للجمهور في المقام الأول-، وتُحاول ترجمة الانتقادات السلبيَّة لتُطور شيئًا فشيء من طبيعة فنك للأفضل. لا تَخف أن ترسم لوحة سيئة جميعنا رسَمنا هذه اللوحات في البداية؛ لكن اشغل عقلك في كيفيَّة تحسينها، فالفكرة كلها ترتكز على تطوير مهاراتك بشكل مستمر ودائم، وهذا لن يأتي إلا بحب ما تفعله وتستمتع به.

– بالنسبة للأكاديميَّة والتخصص.. هل من الممكن أن تكون فارقًا في نِتاج الفنان ووعيه؟
بالطبع نعم فالفن تراكمي، لا أقدر على تجاهل المدارس وتاريخ الفن والإنتاجات التي خرجت للنور، فإجادتي لإنتاج عمل فني حقيقي يستطيع أن يُنافَس وموجود في السوق الآن تطلبت دراسة أكاديميَّة، ولا مانع في أن ترتكز الدراسة بالاطلاع ومعرفة تاريخ الفنون وبدايتها. فعلينا القول بأن الثقافة بشكل عام تُؤثر في إنتاج العمل الفنيَّ.

– ما هي المشاريع القادمة؟
في الآونة الأخيرة قمنا بإصدار عمل “ميرامار” في مهرجان القاهرة الدُولي للكتاب، وهو الإصدار الثاني في مشروع نجيب محفوظ المُصوَّر بعد “اللص والكلاب”، والإصدار الثالث قريبًا إن شاء الله وهو “أولاد حارتنا”.

– وأخيرًا بعد هذا اللقاء الجميل، ما هي رسالتك لجريدة إنسايدر؟
أُبدي كل الشكر لهذا الحوار الرائع الذي استطاع أن يُعطيني المساحة الكافية لأتحدث عن فن القصص المُصوَّرة بهذه التفاصيل؛ لتظهر الصورة الكاملة للفن، وأتمنى لكم كل التوفيق.

Previous Article

زغاليل: من فكرة على الورق إلى رحلة ترفيه ووعي

Next Article

عم بدر.. من ممر قسم العلوم الأساسية

Write a Comment

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا

اشترك في النشرة الإخبارية عبر البريد الإلكتروني للحصول على أحدث المنشورات التي يتم تسليمها مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.
Pure inspiration, zero spam ✨